لبنان بين رسائل الزيارات وضغوط الميدان: أيّ مرحلة تُرسم للبنان على خارطة الشرق.

تتزامن في الآونة الأخيرة سلسلة تحرّكات دولية بارزة نحو لبنان، مع تصاعد التوتر الأمني في الجنوب، بحيث يبدو المشهد وكأنه يدخل مرحلة دقيقة تُرسم معالمها بين الطاولة الدبلوماسية والخطوط المشتعلة على الحدود.
فزيارة البابا المرتقبة إلى لبنان، وزيارة الذي قام بها أحمد الشرع إلى البيت الأبيض قبل رئيس جمهورية لبنان، والحركة الدبلوماسية الواسعة للسفراء والوفود الدولية، كلّها مشاهد تحمل رسائل واضحة، لكنها لم تُترجم حتى الآن إلى أي اختراق فعلي. وكأنّ لبنان ما زال محكوماً بمنطق الانتظار، فيما ترتسم فوقه ظلال المرحلة المقبلة.
زيارة البابا بين الدعم والتحذير
زيارة البابا المرتقبة إلى لبنان ليست زيارة بروتوكولية، بل تحمل رسائل أبعد من الطابع الروحي. هي تأكيد على الدعم للبنان كهوية ورسالة، ولكنها في الوقت نفسه تحذير واضح من هشاشة الوضع الداخلي الذي يجب توحده ،فهذه الزيارة تأتي في لحظة دقيقة، تشير إلى أنّ المجتمع الدولي يخشى من انزلاق لبنان نحو انهيار أكبر إذا استمرت حالة الفراغ والشلل السياسي. ومع ذلك، يبقى تأثيرها محدوداً أمام حجم التعقيدات الداخلية التي تتطلب توافقات عميقة لبناء الدولة الفاعلة لا تبدو قريبة.
زيارة أحمد الشرع إلى البيت الأبيض مؤشر على إعادة تشكيل الأدوار
دعوة ترامب لرئيس الجمهورية السورية أحمد الشرع الى واشنطن واستثناء رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون أثارت الكثير من التساؤلات. فهي تحمل دلالات على أنّ واشنطن تعيد النظر في خريطة نفوذ اللاعبين في الشرق الأوسط الجديد ، وتبحث عن الشخصيات القادرة على التأثير في المرحلة المقبلة. وقد تكون هذه الزيارة إشارة إلى مرحلة جديدة تُطرح فيها أدوار غير تقليدية، بما يعكس تغيّر موازين القوى أو إعادة تشكيل الأولويات الأميركية في الملفات الشرق اوسطية وتحديداً لبنان وسوريا.
الجنوب تصعيد مضبوط تحت سقف التسويات
الاشتباك في الجنوب، بين قصف وغارات وردود محسوبة، يؤكد أنّ المنطقة تخضع لميزان ردع دقيق، يمنع الانفجار الكامل لكنه يبقي الوضع على فوهة التصعيد. الجنوب يتحول مرة أخرى إلى ورقة ضغط إقليمية تُستخدم في سياق مفاوضات أوسع من حدود لبنان، فيما يبقى البلد نفسه في المنطقة الرمادية: لا حرب شاملة، ولا سلام مستدام، بل استنزاف طويل يدفع ثمنه الاقتصاد والمجتمع.
الحراك الدبلوماسي حركة بلا نتيجة
ورغم كثافة حركة السفراء والوفود الدولية، التي عادة تسبق تفاهمات أو تسويات، لم يحصل أي تغيير جوهري. فالمشهد يوحي بأنّ المجتمع الدولي ينتظر اللحظة المناسبة لاتخاذ القرار بشأن لبنان، وأنّ كل ما يجري حالياً يدخل في إطار "إدارة الأزمة" لا حلّها، بانتظار اتضاح الصورة الإقليمية.
السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة
. تثبيت هدنة طويلة في الجنوب
وضع يمنع الحرب ويمنع الحل، مع إبقاء الوضع الحالي كورقة تفاوضية في أي تسوية إقليمية كبرى.
. إعادة ترتيب السلطة تدريجياً
لبنان قد يدخل مرحلة إعادة تركيب سياسية واقتصادية، مع بروز لاعبين جدد وتراجع آخرين، وربما تعديل أعراف وقواعد اللعبة.
. ربط لبنان بالتسوية الإقليمية الكبرى
مع عودة الاهتمام الخليجي، ومراقبة واشنطن للحدود، وتخوّف أوروبا من انفلات الأوضاع، يصبح لبنان جزءاً من تفاهمات إقليمية يجري إعدادها بهدوء.
. فرض إصلاحات قسرية
قد تُفرض إجراءات مالية وإدارية عبر ضغط خارجي، في ظل التدهور الاقتصادي واشتراطات المجتمع الدولي.
بالنهاية ، إنّ كثافة الحركة الدبلوماسية، والتحركات الأميركية، والاشتباك المتجدّد جنوباً، كلها تعكس مرحلة انتقالية يعيشها لبنان. لا هو أمام عهد جديد واضح، ولا على أعتاب انهيار نهائي، بل في منطقة وسطى يجري فيها إعادة رسم دوره ووظيفته. يبدو أن لبنان يدخل فصلاً جديداً تُكتب سطوره في العواصم، وتُترجم ارتداداته على حدوده الجنوبية وفي مؤسساته الداخلية.
