الاثنين، ١٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
مقالات

اليوم العالمي للتسامح… قيمة إنسانية تتجدّد وتنهض بها الشعوب

سماح مطر
اليوم العالمي للتسامح… قيمة إنسانية تتجدّد وتنهض بها الشعوب
اليوم العالمي للتسامح… قيمة إنسانية تتجدّد وتنهض بها الشعوب

يبرز "اليوم العالمي للتسامح" كحاجة إنسانية قبل أن يكون مناسبة رمزية في عالم يموج بالصراعات والتباينات الفكرية والثقافية ففي السادس عشر من تشرين الثاني من كل عام، يقف العالم ليحيي هذه القيمة الأخلاقية التي أسست لسلام المجتمعات وارتقاء حضاراتها.

كيف تأسس اليوم العالمي للتسامح؟


تعود جذور هذا اليوم إلى عام 1995، حين أقرّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إعلان مبادئ التسامح، داعيةً إلى نشر ثقافة تقبل الآخر ونبذ العنف وتعزيز احترام التنوع البشري.

وفي العام نفسه، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 16 تشرين الثاني يومًا عالميًا للتسامح، لتذكير الدول والشعوب بأن السلم الأهلي لا يُبنى بالقوة، بل بفهم الاختلاف ووضعه في خدمة التعايش.

ماذا يعني التسامح للعالم اليوم؟


التسامح ليس ضعفًا ولا تنازلاً عن الحقوق، بل هو القوة التي تمنح الإنسان القدرة على رؤية الآخر كما هو، لا كما تفرضه الأحكام المسبقة. هو مهارة إنسانية تعيد ضبط العلاقات بين البشر، وتمنع الانزلاق نحو الكراهية أو العنف. إنها القدرة على احترام التنوع الديني والثقافي والفكري، والتعامل معه كثراءٍ لا تهديد، وكجسرٍ للتواصل لا سببًا للصدام.

وفي زمنٍ تتسارع فيه الأحداث، بات التسامح خيارًا استراتيجيًا لحماية المجتمعات من الانقسامات الداخلية، ولمنع خطاب الكراهية من التحول إلى عنفٍ مادي يهدد أمن الدول.

كيف أصبحت الشعوب تعتمد التسامح؟


مع توسّع الوعي العالمي بأهمية المصالحة الاجتماعية، تبنّت العديد من الدول سياسات تشجّع على ثقافة التسامح من خلال:

إدخال مفاهيم التعايش في المناهج التعليمية، لتنشئة جيل قادر على قبول الاختلاف منذ الصغر.

سنّ قوانين تجرّم التمييز وخطاب الكراهية، وترسّخ مبدأ المساواة أمام القانون.

إطلاق مبادرات مجتمعية وثقافية تُعزّز الحوار بين المكوّنات الدينية والعرقية.

دعم الإعلام المسؤول الذي يعالج القضايا الخلافية بخطاب عقلاني بعيد عن التحريض.

تشجيع الدبلوماسية الوقائية في العلاقات بين الدول، معتبرة التسامح أداة لحلّ النزاعات لا مجرد شعار.

لقد باتت الكثير من الشعوب تدرك أنّ التسامح ليس ترفًا أخلاقيًا، بل ضرورة لحماية السلم الأهلي في عالمٍ شديد التعقيد. فالتجارب الإنسانية أثبتت أن المجتمعات التي تتبنى ثقافة قبول الآخر هي الأكثر قدرة على النمو والاستقرار، والأكثر جاهزية لصناعة مستقبل مشترك.

إن اليوم العالمي للتسامح ليس مجرد ذكرى، بل دعوة دائمة لإعادة اكتشاف إنسانيتنا. ففي قلب كل اختلاف فرصة لفهم أعمق، وفي كل تسامح خطوة نحو عالمٍ أقل صراعًا وأكثر رحمة.


فالتسامح يبدأ من الفرد، لكنه يزدهر حين تتبنّاه الشعوب… ويصبح حضارة حين تتجسده الدول في سياساتها ومؤسساتها.

أهمية التسامح في المجتمع وبين الشعوب

يُعدّ التسامح من الركائز الأساسية لأي مجتمع يسعى للاستقرار والنمو. فهو ليس مجرد خُلق إنساني، بل منظومة قيمية تُعيد ترتيب العلاقات بين البشر على أساس الاحترام والتفاهم، وتُحصّن المجتمعات من الانقسامات والصراعات.

تعزيز السلم الأهلي
التسامح يخفّض منسوب التوتر بين الأفراد والجماعات، ويمنع تفاقم الخلافات الصغيرة إلى نزاعات كبيرة. إنه بوابة لحوار هادئ يحلّ الخلافات دون عنف.

بناء مجتمع متماسك
المجتمع المتسامح هو مجتمع قادر على احتواء تنوّعه الديني والثقافي والفكري، حيث تتحول الاختلافات من مصدر صراع إلى مصدر إثراء وطاقات جديدة.

دعم الاستقرار السياسي والاجتماعي
الدول التي تشجع التسامح تحقق قدرًا أكبر من الاستقرار، لأن مواطنيها يشعرون بالأمان والعدالة والانتماء، مما ينعكس مباشرة على الهدوء الاجتماعي والترابط الوطني.

تطوير الفرد نفسيًا وأخلاقيًا
التسامح يحرّر الفرد من الأحقاد والمشاعر السلبية، ويمنحه قدرة أكبر على التوازن الداخلي والراحة النفسية. كما يعزز نضجه الفكري وقدرته على فهم الآخرين والتعايش معهم.

تعزيز الإنتاجية في بيئة العمل
في أماكن العمل، يخلق التسامح بيئة صحية تُعزّز التعاون وتقلل النزاعات، مما يرفع من جودة الإنتاج ويوطّد العلاقات المهنية.

مكافحة التطرف وخطاب الكراهية
كلما ازداد الوعي بأهمية التسامح، تقلّصت مساحة الأفكار المتطرفة التي تتغذّى على العزلة والخوف من الآخر، مما يساعد في حماية المجتمعات من الانجرار وراء العنف.

نشر ثقافة السلام عالميًا
التسامح هو الأساس الأخلاقي لأي علاقات دولية مستقرة. الدول التي تتبنّى سياسة الحوار وقبول الاختلاف تسهم في بناء عالم أكثر أمنًا وتفاهمًا.

التسامح ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل هو مشروع حياة. هو القوة التي تُعيد للإنسان إنسانيته، وللمجتمعات قدرتها على العيش المشترك، وللعالم فرصته في السلام.


كلما ازداد التسامح، ازداد الضوء… وتراجعت مساحة الظلام.