الخميس، ١٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
مقالات

بين العدالة والحقيقة… زمن يتفتّت

بين العدالة والحقيقة… زمن يتفتّت
بين العدالة والحقيقة… زمن يتفتّت

كتب رئيس تحرير موقع صحافة وطن سماح مطر :

عالمٍ يزداد اضطرابًا، باتت العدالة والحقيقة عملتين نادرتين في سوقٍ تغمره المصالح، وتتحكّم به قوى المال والسياسة . لم يعد البحث عن الحقيقة فعلاً من أفعال النبل، بل مغامرةً محفوفة بالمخاطر؛ ومن يسلك درب العدالة، يكتشف أنه يمشي على رُكامٍ من التناقضات، حيث تُقاس المواقف بالمكاسب، وتُوزن الضمائر بميزان النفوذ.

لقد تحوّل الزمن إلى فسيفساء متكسّرة من الوقائع المشوّهة، تُصاغ فيها الروايات على قياس من يملك المنبر، لا من يملك الحق. الدول تتخبّط في أزماتها، والمجتمعات تُستهلك بين وعود الإصلاح ومشاهد الانهيار، أما المواطن فصار المتّهم الدائم في معادلةٍ لا يعرف من أين تبدأ ولا إلى أين تنتهي.

في أوروبا، تتراجع الثقة بالمؤسسات، ومعها تتآكل القيم التي قامت عليها فكرة “الدولة العادلة” في الولايات المتحدة، العدالة باتت رهينة الاستقطاب السياسي، والقانون يُقرأ وفق الانتماء لا وفق المبدأ. أما في منطقتنا العربية، فالمشهد أكثر تعقيدًا: أنظمة تتبدّل شعاراتها ولا تتغيّر ذهنيّاتها، وشعوب تبحث عن العدالة في محاكم الغيب، بعدما أُنهكت من وعود الإصلاحات الفارغة.

أما لبنان، فقصّته مرآة هذا الزمن المتفتّت. بلد يزعم أنه واحة للحرية والعدالة، فيما يعيش أبناؤه على أنقاض دولةٍ فقدت بوصلتها. العدالة فيه مؤجلة، والحقيقة مفقودة بين الملفات والسياسات المتشابكة، من انفجار المرفأ إلى ملفات الفساد والنهب والإفلات من العقاب. كلّ قضية تُفتح لتُغلق، وكلّ وعدٍ بالشفافية ينتهي عند جدار الطائفية والمصالح.

الزمن اليوم لا يُقاس بالساعات بل بمقدار ما يتآكل من القيم. والعدالة التي كانت حلمًا جماعيًا، صارت مجرّد كلمةٍ تُقال في بيانات رسمية أو تُزيّن خطابات السياسيين. لكن رغم ذلك، يبقى الأمل خيطًا رفيعًا لا ينقطع… لأن الشعوب، وإن صمتت طويلًا، لا تنسى من سرق منها الحقيقة.

ففي نهاية هذا الزمن المتفتّت، لن تنتصر القوة على العدالة، بل الصبر على الزيف، والحقيقة على الضجيج. قد يطول الطريق، لكن التاريخ لا يكتب بلغة المنتصرين، بل بلغة من بقي مخلصًا للحقيقة حتى النهاية.